لقاء.. من .. الداخل
عادة ما يحدث شىء ما فى داخلنا عندما نلتقى بالأخـــر.. لكن ليست كل مُقابلة تُعد لقاءًا حقيقيًا..
فأحياناً نُقابل الأخر.. ونستقبله بالأحضان.. ونمضى معه ساعات.. ثم نودعه أيضًا بنفس الأحضان. ونجد أننا لم نعرفه ولا عرفنا.. ولا أضافت تلك المقابلة لحياتنا.. فقط أستهلكت من عمرنا.. بعض الوقت.. لأننا ألتقينا من الخارج.. فلا سمعنا ولا رأينا شىء فى بعضنا البعض.
وأحيانا نكشف بعض من دواخلنا.. أمام من لا يحترم الأقداس.. ولا يُقدرها.. فنغادر اللقاء.. بأحساس أشبه بالنزيف!
بعض اللقاءات مع الفضوليين.. تبدو وكأنها مسابقة فى التعرية.. محاولة كشف كل ما يُخبئه من يجلس معى.. فتغادر بشعور عميق من الخزى والخجل. وسؤال يتردد فى أعماقك.. لماذا أصر هذا الشخص على أنتزاع ملابسى منى.. رغماً عنى!!
ويوجد لقاء يأخذنا الى المحاكمة.. حيث لابد أن تكون نتيجته أننا على صواب أو خطأ.. وكأنه لا يكفينى ذلك الجلاد الواقف خلف ظهرى.. طول الليل يحاسبنى.. فأذهب لأستأجر جلاداً أخر.. لا يعرف غالباً شىء عنى.. لا يعرف سوى أن يُحلل.. ويصدر الأحكام.
لا أقصد هذا.. ولا ذاك..
لكن ما أقصده.. هو ذلك اللقاء الذى نلتقى فيه أحدهم.. من الداخل.. نستقبله فى داخلنا.. فيكشف لنا داخله..
فيتعرى واحد فى حضن الأخر.. يتعرى وهو يشعر أنه مستور.. إذ لا أحد يحاول أن يتفحصه.. أو يحاول نصب محكمة له..
لا أحد يبحث عن عورتك.. أو عن شىء يُخجلك.. أنما يبحث عنك أنت فى وسط كل هذا الركام والخراب.. ليلتقيك.
يبحث عنك.. لأنك مهم.. يبحث عنك فى مخبأك.. لا ليجبرك على الخروج.. بل ربما ليمكث معك هناك .. بعض الوقت.
كيف يمكن أن تنهار حواجزنا.. ودفاعاتنا.. أمام أحدهم لأننا وجدنا فى لقائنا.. بعض الأمان الكافى.. لخلع الأقنعة.
ووجدنا من الستر والأحترام والقبول.. ما يكفى.. لنكمل حديثنا.
يبدو أننا نشتاق لمثل هذا اللقاء.. لكن لا نجد اليه سبيلاً.. لذا لازلنا نحتمى خلف.. الأقنعة.
لا علاقة لهذه اللقاءات بكم تكون الكلمات لطيفة.. صادمة.. او حتى.. جارحة.. فأدق العمليات الجراحية.. هى جرح يحدث فى جو من السكون والخشوع.. من شخص أعلم يقيناً.. أنه لا يحمل سوى الحب لى.. ولا يهمه سوى.. أنـــا!!
يبدو أننا نعامل دواخل الأخرين كمان نُعامل دواخلنا.. فإن تصالحنا مع كل ما نحمله.. من تشوهات.. ووجع.. وجراح.. وانين.. وانتصار.. وضعف وقوة.. فى داخلنا.. سنعرف كيف نتعامل مع ما يحمله الأخر.. فى كنزه.
مثل تلك اللقاءات.. هى أعتذار من الحياة.. على كل مرة أهدرنا فيها كنزنا الغالى.. حيث لا ينبغى... وكل مرة تكلمنا.. ولم يُنصت أحد!!
ومن استطاع أن يلتقى بذاته فى هدوء.. يستطيع أن يُعد هناك مكاناً آمناً.. يلتقى فيه الأخر.